الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لهنتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ونصلي ونسلم على خير الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد..
إخواني وأخواتي في الله تبارك وتعالى، في هذا الشهر الكريم، الشهر الأول من العام الهجري ، في هذه الأوقات التي تحركت فيها دعوة الله عز وجل منذ خمسة عشر قرنًا من الاستضعاف إلى التمكين، بهجرة الدعاة.
وليس بهجرة الرعاة الذين يبحثون عن خشاش الأرض، ويلمون شعث هذه الحياة، وإنما دعاة إلى الله تبارك وتعالى، نظرهم إلى السماء يرجون تجارة لن تبور، غايتهم رضا الله والجنة، أملهم أن ينصر الله هذا الدين.
تلكم الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، التي سيبدأ حديثنا عنها في هذه الدورة المباركة، التي نرجو بإذن الله ليس أن نأخذ معرفة نحشو بها عقولنا، وإنما نرجو أن يكون من وراء هذه الدورة عدد من الأهداف التي نرجو بإذن الله أن نصل بها معًا، من خلال هذه الدورة، إلى رضا الله تبارك وتعالى والجنة.
الهدف الأول:
هدف معرفي؛ لأن الدعوة إلى الله علم، فتدرس الآن في كليات الدعوة، وأصول الدين، والدراسات الإسلامية، هذه الكليات تدرس مادة أصول الدعوة، وأصول الخطابة، مناهج الدعوة، فنون وأساليب الدعوة إلى اللهز
صارت علمًا؛ لأن الدعوة في الإطار الإسلامي النقي، مقابلها في الإطار المادي هي الـ "ماركتنج" أي الدعاية، لكن هناك فرق بين الدعوة إلى الله التي يرجو من ورائها الداعية ويضحي بماله، وبجهده، وبوقتهز
خلوا بيني وبين الناس كما كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتمنى، ويرجو ويسأل، خلوا بيني وبين الناس، أريد أن أصل إلى الناس لأحدثهم عن رسالة سامية أحملها، (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا)، وبين الانشغال في الـ (ماركتنج).
فالأخير يعمل بالأجر، وإذا لم يأخذ الأجرة لا يستطيع أن يتقدم، بل قد يقوم بعمل الدعاية لشركة ما، ثم تأتي شركة أخرى منافسة تقدم له عرضا أفضل وأعلى فينتقل إليها مباشرة ، ويبدي انفعالاً كما كان يبدي انفعالاً وهو يعمل (ماركتنج) للشركة الأولى.
الداعية إلى الله سبحانه وتعالى يختلف تمامًا، فمنطق الداعية إلى الله هو "والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أهلك دونه أو ينصره الله عز وجل".
هناك هدف معرفي للعقل في أصول وقواعد ومقومات وخصائص وفنون الدعوة إلى الله عز وجل، هذا الهدف الأول، والمخاطب به هو العقل.
الهدف الثاني:
هو هدف وجداني قلبي، أن نتشبع بحب الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) –يوسف:108- الداعية إلى الله سبحانه وتعالى يحب الله.
والصب تفضحه العيون كما قالت العرب؛ لأنه يحب الله سيدعو إلى الله، لن تستطيع قوة في الأرض أن تحجبه عن دعوته، حتى لو دخل السجن كما فعل يوسف –عليه السلام-، (ودخل معه السجن فتيان....) إلى آخر الآيات، بدأ يدعو مباشرة مع أول سؤال يأتيه، هذا من الحب لله، الحب لرسول الله، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).
إذن.. الداعية إلى الله إذا لم يكن له قلب ينبض ويتحرك، ويشعر بأن هذه الدعوة أغلى عنده من نفسه التي بين جنبيه، من أبيه وأمه، من أخيه وأخته، من زوجه وولده، من الدنيا وما عليها، لن يكون داعية مؤثرًا في الناس، من الممكن أن يكون موظفا، كبعض الأئمة الذين يتخرجون ويعملون، يقول أصعب يوم في حياته هو يوم الجمعة؛ لأن خطبة الجمعة تكون حملا وعبأ ثقيلا يريد أن يضعه عن كاهله.
وكل ما يعنيه هو أن يخطب الجمعة ولا يعنيه فهم السامعين لكلامه من عدمه، فالدعوة عنده هي خطبة الجمعة، والدعوة عندنا هي حياة كاملة، حياة كاملة مع الله، الدعوة إلى الله حب، الداعية إلى الله يحب الدعوة، يحب القرآن، يحب السنة، فيدعوا إليها "بلغوا عني ولو آية" حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، "ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
يحب الناس، يحب لهم الخير، وأرجو للداعية إلى الله، ألا يخلط بين كراهيته للإثم والعدوان والظلم والطغيان، وبين حب هداية الناس إلى طريق الرحمن. الله سبحانه وتعالى أرسل سيدنا موسى إلى فرعون، (فقولا له قولاً لينًّا لعله يتذكر أو يخشى) يتمنى أن يسلم الفرعون، فنحن كذلك الأصل أن نُسلم، وأن ندعو الناس، "له أصحاب يدعونه إلى الهدى".
فالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى تحتاج إلى من يحب الناس الذين يدعوهم، مسلمهم وغير مسلمهم، (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) –الكهف: 6-. إذن لا بد من القلب، هدف وجداني، هدف قلبي، يخاطب فيه القلب أن ينفعل بحب الدعوة إلى الله عز وجل، وألا يرى شرفًا أعلى من شرف الدعوة إلى الله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) –فصلت: 33-.
الهدف الثالث..
هدف حركي للنفس،حين يقتنع العقل بفنون الدعوة وأصولها، والقلب ينفعل، لا بد للناس أن تتحرك، إذا القلب انفعل والعقل امتلأ بالعلم ولم يتحرك الإنسان، فما هي الفائدة؟ لا شيء.
إذن عندنا هدف معرفي للعقل وهو الفهم الدقيق؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل الفهم قبل العمل، والعلم قبل العمل، قال سبحانه وتعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) –محمد: 19-.
قال ابن عباس: جعل الله العلم قبل العمل. فالهدف المعرفي أن نعرف أصول وقواعد الدعوة، كما أن الذي يتخرج من الجامعة في "الماركتنج" وظيفته يعمل "ماركتنج" لأي شيء، فقط أعطه المنتج وهو يعمل له ماركتنج.
الهدف الثاني
هدف وجداني قلبي، أن القلب يعيش فعلاً هم الدعوة، وحب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
الهدف الثالث..
هدف سلوكي كما يسميه التربويون، للنفس كلها، هدف حركي، أن تتحرك النفس كلها، البيت كله، بيت دعوة إلى الله، "اجعلوا بيوتكم قبلة" الناس تأتي لك على البيت تحب تقعد عندك، بيتك بيت دعوة إلى الله، فيه الحلقات القرآنية.
فيه حل المشكلات الاجتماعية، فيه عمليات الصلح في الخلافات المالية، فيه تدبير لهموم الأمة الإسلامية، وهموم الجالية المسلمة والمجتمع الأمريكي الذي يعيش فيه، أو الغرب الذي يعيش فيه، أو الشرق أيًّا ما كان.
فالداعية إلى الله سبحانه وتعالى لا بد أن يصل إلى هذه الأشياء، ونحن في هذه الدورة إذا لم نصل إلى هذه الأهداف الثلاثة كل واحد، (يعرف، يحب، يتحرك). يخرج من هنا بزاد على طريق الدعوة إلى الله، تطور أساليب الدعوة عنده، تنضج، تتعمق، لكن له دور أوسع وأكبر من الدور الذي كان يقوم به.
إذن نحن عندنا أهداف ثلاثة هي: هدف معرفي للعقل، وهدف وجداني للقلب، وهدف سلوكي. الهدف المعرفي للعقل يجب أن يكون بالفكرة القوية، والهدف الوجداني للقلب بالتزكية الإيمانية، والهدف السلوكي للنفس بالحركة الفتية. ما الدليل من القرآن؟، أول آية في القرآن الكريم (اقرأ باسم ربك الذي خلق) .
فأهداف الدورة بعنوان "الدعوة إلى الله في الواقع المعاصر بين مقومات الداعية وأساليب الدعوة" عندنا فيه ثلاثة أهداف: هدف معرفي للعقل، الوصول بالفكرة القوية، هدف وجداني للقلب بالتزكية الإيمانية، هدف سلوكي للنفس بالحركة الفتية، أول آية (اقرأ) ثاني آية في القرآن الكريم ثاني سورة (ن والقلم وما يسطرون) ثالث سورة (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً) لازم تشتغل على نفسك شوية، التزكية الإيمانية.
وللحديث بقية بإذن الله تعالى، وحتى ألقاكم على خير سلام الله تعالى عليكم ورحمته وبركاته..
الكاتب: أ.د. صلاح الدين سلطان
المصدر: موقع أ.د. صلاح الدين سلطان